كشف موقع "ذا إنترسبت" الأميركي في تحقيق موسّع عن تورّط شركة "أمازون" في تزويد شركات سلاح إسرائيلية بخدمات حوسبة سحابية متقدمة، استُخدمت في إطار عمليات نفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وأدت إلى قتل مئات المدنيين الفلسطينيين وتدمير مساحات واسعة من البنية التحتية.
ووفق التقرير، اعتمدت شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وفي مقدمتها "رافائيل" و"الصناعات الجوية الإسرائيلية" (IAI)، على خدمات "أمازون ويب سيرفيسز" (AWS)، لتشغيل منظومات قتالية وتحليل بيانات ميدانية استخبارية مرتبطة بعمليات استهداف في غزة.
وأشار التحقيق إلى أن هذه التقنيات أتاحت تحليل كمٍّ هائل من البيانات في الوقت الفعلي، مما مكّن إسرائيل من تحسين دقة الضربات الجوية وتنفيذ هجمات عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجّهة، غير أن نتائجها الميدانية شملت قصف مناطق مدنية وسقوط عدد كبير من الضحايا بينهم نساء وأطفال.
وبيّن الموقع أن هذا التعاون جرى ضمن مشروع حكومي مشترك بين أمازون وغوغل يُعرف باسم "نيمبوس" (Project Nimbus)، لتزويد مؤسسات الدولة الإسرائيلية ــ المدنية والعسكرية ــ بخدمات تخزين ومعالجة بيانات تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
وبحسب الوثائق التي اطلع عليها الموقع، يتيح المشروع تخزين بيانات "الأمن القومي الإسرائيلي" داخل خوادم محلية، مع توفير قدرات تحليل متقدمة تساعد في تحديد الأهداف وتنفيذ العمليات العسكرية بدقة أكبر.
وأشار التقرير إلى أن نطاق التعاون تجاوز شركات السلاح، ليشمل جهات حكومية تشرف على البرنامج النووي الإسرائيلي، إضافةً إلى مؤسسات مدنية تدير المستوطنات في الضفة الغربية، ما يثير مخاوف من استخدام هذه التقنيات في المراقبة الجماعية للفلسطينيين وإدارة البنية التحتية الاستيطانية.
وأثارت هذه المعلومات انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، أبرزها حملة "No Tech for Apartheid"، التي اعتبرت أن مشروع "نيمبوس" يمنح إسرائيل أدوات رقمية تُستخدم في التعقب والمراقبة الجماعية وخوارزميات الاستهداف العسكري في غزة والضفة.
كما أشار التقرير إلى احتجاجات داخل شركتي "أمازون" و"غوغل"، حيث وجّه موظفون سابقون رسائل مفتوحة إلى إداراتهم للمطالبة بإنهاء العقود مع الحكومة الإسرائيلية، مؤكدين أن هذه المشاريع تناقض القيم الأخلاقية للشركات التكنولوجية الأميركية.
ومن أبرز القضايا المرتبطة بالجدل، قيام "أمازون" بفصل المهندس الفلسطيني أحمد شحرور (29 عامًا) بعد اعتراضه العلني على مشاركة الشركة في مشروع "نيمبوس".
وذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن الإدارة برّرت القرار بأنه خالف سياسات العمل الداخلية، لكن شحرور نفى ذلك مؤكداً أنه كان ينوي الاستقالة احتجاجًا على تورّط الشركة في دعم الجيش الإسرائيلي، مشيرًا إلى امتلاكه أدلة مصوّرة تثبت براءته من أي تهديد أو إساءة.
وكان شحرور قد وزّع داخل مقر الشركة في سياتل منشورات تنتقد التعاون مع إسرائيل، واستخدم المنصات الداخلية لنشر آرائه، معتبراً أن المشروع يجعل من "أمازون" شريكًا مباشرًا في الجرائم ضد المدنيين في غزة.
ونقل الموقع عن البروفيسور إيوانيس كالبوزوس من كلية الحقوق بجامعة هارفارد قوله إن علاقة أمازون بشركات الأسلحة الإسرائيلية قد تضعها تحت طائلة المساءلة القانونية الدولية، إذا ثبت أن خدماتها التقنية ساهمت، ولو بشكل غير مباشر، في ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وأوضح كالبوزوس أن المسؤولية القانونية "لا تتطلب نية الإبادة، بل يكفي أن يكون من المتوقع أن يؤدي الدعم إلى ارتكاب الجرائم".
ورغم أن أمازون قد تدّعي عدم علمها بكيفية استخدام تقنياتها ميدانيًا، فإن مسؤولًا سابقًا في وزارة الدفاع الأميركية – يُدعى براينت – يرى أن هذا التبرير غير مقنع، مشيرًا إلى أن الشركات التي تتعامل معها أمازون هي شركات تصنيع سلاح معروفة بطبيعة عملها العسكرية، وبالتالي "لا يمكن لأمازون الادعاء بأنها غير متواطئة في القتل حتى لو لم تعرف كل التفاصيل".
وأشار تقرير ذا إنترسبت إلى أن الوثائق المسربة تكشف دورًا يتجاوز حدود الخدمات التكنولوجية البحتة، حيث تُسهم الشركة بشكل غير مباشر في تعزيز البنية العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي تدعم العمليات في غزة.

